نشأته وتعريفاته
تمهيد
قبل تحديد مفهوم العلم لابد من التحقق من وجوده أولاً، ولابد من الإحاطة بمدى اكتسابه صفة العلمية ثانياً، إن وجود العلم يتحقق من خلال أمور كثيرة مثل عدد المتخصصين في مجالاته، من الباحثين والعاملين في ميادينه، ورصيده من النتاج الفكري كماً ونوعاً، ومؤسساته الأكاديمية والمهنية، وأنشطته العلمية من مؤتمرات وندوات وغير ذلك•
ولعلم المعلومات وجود حقيقي ومتكامل منذ الستينيات أكده علماء المعلومات، ففي عام 8691 درس تافكو سراسفك وريس (TEFKO SARACEVIC & A.M.Rees) وجودية علم المعلومات وأثر ذلك في التطبيقات المكتبية(1) وحددا سبعة شروط يجب توفرها في أي علم لكي يستحق أن تطلق عليه تسمية علم >Science< وهذه الشروط هي:
1 • وجود مجتمع مهتم بدراسة مجموعة من الظواهر•
2 • وجود أشخاص متخصصين في مجالاته ولهم مواصفات واهتمامات مشتركة، وهم عادة ينتمون إلى مؤسسات أكاديمية وبحثية•
3 • توفر أساليب وأدوات ومناهج للبحث في ميادينه•
4 • قيام أساس نظري يستند إليه سواء كان ذلك الأساس مكتملاً أو في سبيل الاكتمال•
5 • وجود تعليم نظامي لمن يهتم بموضوعاته•
6 • توفر قنوات اتصال رسمي وغير رسمي بين المتخصصين والباحثين في مجالاته•
7 • وجود جمعية مهنية ومجلة علمية متخصصة•
ولقد قرر الباحثان ـ في ذلك الوقت ـ انطباق أغلب تلك الشروط والمواصفات ـ إن لم تكن جميعها ـ على علم المعلومات وفق معطيات تلك الفترة، بينما نستطيع الجزم اليوم ـ ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين ـ بأن علم المعلومات قد استكمل تلك الشروط تماماً، وتوفرت له خصائص العلم الكامل الواضح الحدود، وأنهى موفقاً رحلة البحث عن الهوية التي كتب عنها حشمت قاسم في بداية الثمانينيات(2)•
1 ـ نشأة علم المعلومات
1ـ 1 ـ ملامح أولية
منذ أن خلق الله تعالى الإنسان وعلمه البيان كان طلب العلم ضالته المنشودة، وإحدى حاجاته الأساسية، من أجل أن يعرف نفسه ويعرف عالمه، ولقد تعلم الكثير وحفظ الكثير حتى ضاقت حافظته فاخترع الكتابة معيناً لذاكرته، تحفظ خبراته ومعارفه عبر الزمن وتنقلها إلى الأجيال الآتية من بني جنسه، فكتب على الأحجار وعلى جدران الكهوف وعلى الطين وعلى البردي وعلى جلود الحيوانات، وعلى كل شيء يصلح أن يكون وعاءً للمعلومات• وعندما تكاثرت هذه الأوعية تفرغ نفر ممن يمتلكون حب العلم والكفاءة لترتيب وتنظيم تلك الأوعية بطريقة تسهل الوصول إلي أي منها، وكان سدنة المعلومات هؤلاء يجرون عمليات البحث والتنقيب عن المعلومات ويستخرجونها من مظان هذه الأوعية، فيستفيدون منها أو يستفيد منها غيرهم• بهذا الجهد المعلوماتي العملي بدأت البوادر الأولى لمهنة المعلومات في أبسط صورها، واستمرت تتطور مع تطوير الإنسان وازدهار حضارته، والتزم الملوك والأمراء وذوو الأمر بتشجيع هذه المهنة العلمية وإقامة مؤسساتها المختلفة من مكتبات ودور وثائق وغيرها، وأغدقوا العطايا على القائمين عليها•
كانت الكتابة أول ثورة حضارية للفكر الإنساني، غير أن اختراع الورق وسع قاعدة تلك الثورة وقدم لها سبل التطور والانتشار•
لقد كان للعراقيين الأوائل فضل اختراع الكتابة، وكان للعرب المسلمين فضل تطوير صناعة الورق وتعريف العالم بقيمته، في وقت كانت أوربا يعمها ظلام الجهل•
واستمر الكفر الإنساني يغذي بعضه بعضاً حتى القرن الخامس عشر الميلادي إذ اخترعت الطباعة بالحروف المعدنية المتحركة فنقلت العالم إلى عصر حضاري جديد• فطبعت الكتب بنسخ كثيرة وازداد تداولها بين الناس وانتشر العلم، وظهرت الدوريات، التي صدرت أول أنواعها في فرنسا عام 6561، وهي مجلة أسبوعية بعنوان (Journal des Scavants) وبعدها ـ في العام نفسه ـ صدرت الدورية البريطانية (Philosophical Transactions) التي عدت أول نموذج للمجلة العلمية(3)•
وهكذا ازدهرت حركة طبع ونشر الكتب والدوريات وغيرها من المنشورات الورقية، وتزايدت أعدادها وتنوعت أشكالها، غير أن هذا التزايد في أنواع المطبوعات أخذ يتضاعف عبر السنين، حتى بلغ معدل تزايده في الوقت الراهن قدر ثلاث مرات نمو سكان العالم تقريباً• وتتضاعف المعلومات كل 01 ـ 51 سنة، وأنه تصدر اليوم حوالي ثلاثين ألف مجلة علمية وتكنولوجية تحتوي على 0.9 إلى 1.2 مليون مقالة سنوياً(4)•
وفي وقت مبكر أحس المهتمون بقضية توصيل المعرفة بمشكلة تفجر النتاج الفكري العالمي المتفاقمة، وتنبهوا إلى ضرورة وضع حل عاجل لها، فإن الإنسان يقف عاجزاً أمام الاستفادة الفاعلة من هذا الكم الهائل من نتاجات العقل البشري، بلغاتها المختلفة وأشكالها وأنواعها المتعددة، بعد أن ظهر بشكل لافت للنظر عجز الوسائل التقليدية من نظم المعلومات المتاحة في السيطرة على النتاج الفكري وضبطه وتنظيمه وتسهيل الإفادة منه بصورة فاعلة•
1 ـ 2 المخاض
أول صيحة تحذير نبهت إلى مشكلة تزايد النتاج الفكري الإنساني، أطلقها جوزيف هنري (J.Henry) سكرتير مؤسسة (Smithsonia institute) عام 1581 إذ يقول: "لقد أثبتت التقديرات الإحصائية أن مقدار ما ينشر سنوياً من مصادر المعلومات يبلغ حوالي عشرين ألفاً من المجلدات، بما فيها النشرات، وتعد كلها إضافات إلى رصيد المعرفة البشرية، ومالم ترتب هذه الكميات الضخمة بطريقة ملائمة، ومالم تعد لها الوسائل اللازمة للتحقق من محتوياتها، فسوف يضل الباحثون سبيلهم بين أكداس النتاج الفكري، كما أن تل المعلومات سوف يتداعى تحت وطأة وزنه، ذلك لأن الإضافات التي سوف تضاف فوقه، ستؤدي إلى اتساع القاعدة دون الزيادة في ارتفاع الصرح ومتانته"(5)، وبعد مئة عام، وبعد تفاقم الأزمة التي أذكى أوارها تضخم النتاج الفكري العالمي، أصبحت السيطرة على المعلومات وتوفيرها للمستفيدين في غاية الصعوبة، وتم التسليم بأن الأدوات المكتبية التقليدية كانت محدودة في قدرتها على مواجهة الكثير من هذه المشكلات الجديدة، وقد دفع هذا الاعتراف العام إلى بذل الجهود من أجل التغلب على مظاهر القصور هذه باستخدام الوسائل والأجهزة الأكثر مرونة(6)•
وفي عام 5491 نشر فانيفربوش (V.BUSH) مقالته الشهيرة هكذا يجب أن نفكر: As We Must Think (7) حدد فيها ملامح هذه الأزمة قائلاً: "هناك جيل يتضخم من البحوث إلا أن هناك دليلاً واضحاً على أننا مهددون الآن طالما أن هناك نمواً في التخصص، فالباحث يترنح تحت وطأة النتائج والتوصيات التي يخرج بها آلاف الباحثين الآخرين•• ومن وجهة النظر المهنية، فإن سبلنا من أجل توصيل نتائج البحوث وعرضها، أصبحت متخلفة لعدة أجيال كما أنها قد أصبحت الآن غير ملائمة لأغراضها على الإطلاق"(8) ويقترح بوش لحل المشكلة آلة سماها المفكرة (Memex) ، وهذه المفكرة عبارة عن وسيلة يختزن فيها الفرد جميع كتبه ومسجلاته واتصالاته، التي يتم تطويعها للآلة حتى يكون من الممكن الرجوع إليها بسرعة ومرونة فائقتين، وهي بمنزلة ملحق مكبر خاص بذاكرته، وهي تتكون من مكتب، ومن المفروض أن يتم تشغيلها من بعيد•• وفي قمتها توجد الشاشات الشفافة، التي يمكن عرض المواد عليها لقراءتها كما أن فيها لوحة مفاتيح، ومجموعة من الأزرار والأذرع(9)• ويستمر بوش في وصف آلته العجيبة التي تعمل بالمايكروفيلم، ويتم الاسترجاع منها وفق خطة تكشيف معينة•
هذه الآلة الحلم وجدت بالفعل، وأصبحت جزءاً أساسياً وحيوياً من حياة الإنسان وليس مجرد ملحق مكبر خاص بذاكرته كما قال عنها بوش، تعد مقالة بوش هذه من أول الكتابات الأساسية في الجوانب النظرية لعلم المعلومات(01) وظلت تحصل على إشارات ببليوغرافية إليها منذ صدورها وحتى الستينيات(11) بل وحتى الآن•
وهناك أصوات أخرى في أنحاء مختلفة من العالم كانت تنبه وتصور مشكلة تضخم النتاج الفكري وتفجر المعلومات، فقد صور فافيلوف (S.I. Yavilov) رئيس الأكاديمية الروسية، رجل العلم وهو يقف منذهلاً أمام جبال المكتبات الشامخة، وليس لديه القدرة على استخراج حبة الذهب التي يحتاجها منها• والعالم الإنكليزي الفيزيائي برنال (J.D. Bernal) كان يرى أنه من الأسهل أحياناً إعادة اكتشاف الظاهرة الطبيعية من أن نجد المادة العلمية التي كتبت عن اكتشافها، ويقول الفيزيائي الفرنسي دي بروكلي (de Broglie L.): >غالباً ما يشعر المرء أنه مدفون تحت أكوام من المقالات والكتابات••• وأنه غالباً ما يعجز عن قراءتها من أولها إلى آخرها، ناهيك عن توفير الوقت للتفكير بها ثانية(21)•
لقد كان الإحساس عالمياً بهذه المشكلة، ويعكس الاهتمام المتزايد من قبل العلماء والباحثين في مجالات المعرفة البشرية كلها، وبالمعلومات وضرورة توفيرها للمستفيدين خاصة وأن الأساليب التقليدية أبدت عجزها عن ذلك•
إن لمشكلتي تضخم النتاج الفكري العالمي وتفجر المعلومات أسباب كثيرة يمكن تلخيص أهمها بالنقاط الآتية31)•
1 ـ الزيادة الهائلة في كمية المطبوعات والمنشورات المتنوعة•
2 ـ الصعوبة في الاختيار النوعي للمواد المطلوبة من هذا الكم الهائل•
3 ـ انهيار الحدود بين الموضوعات وتداخل التخصصيات العلمية•
4 ـ زيادة التخصص الدقيق•
ويمكن إضافة سبب خامس هو فشل الأساليب والوسائل التقليدية في الضبط والسيطرة والتنظيم للمعلومات ولأوعية المعلومات المتراكمة يوماً بعد يوم•
إن هذا الوضع وتلك الأزمة العلمية العالمية كانا إيذاناً بميلاد علم جديد، يضع الأسس العملية لحل هذه المشكلات مستعيناً بالدراسات العلمية والوسائل التكنولوجية وتراث وخبرات ومهارات المهنة المكتبية•
1 ـ 3 ـ الولادة
في أثناء الحرب العالمية الثانية شهد العالم حركة علمية شديدة التفاعل واستمرت إلى ما بعد الحرب، وقد رعت هذه الحركة العلمية وغذتها الدول المتحاربة التي سعت إلى استخدام العلم والعلماء لإدامة آلة الحرب وحماية منشآتها العسكرية وتقليل خسائرها، ولقد عاد هؤلاءالعلماء والباحثون بعد الحرب محملين بخبرات وتجارب ومهارات بحثية متنوعة، فأعيد توظيفهم في القطاعات المدنية لإعادة الحياة إلى المصانع والمؤسسات التي تعطلت بسبب الحرب• لقد كان من نتائج تلك الحرب العلمية فيض هائل من البحوث والدراسات والتقارير، مع ازدياد الطلب على المعلومات المتنوعة، وتغيير في أنماط ذلك الطلب، إذ الحاجة قائمة إلى المعلومات الدقيقة والسريعة والحديثة، بضغط من الدول المنافسة لاكتساب قصب السبق العلمي، واستثمار منجزاته لأغراض عسكرية وسياسية واقتصادية•
لقد استمر التزام الدول بدعم البحث العلمي والباحثين إلى ما بعد الحرب ولم يقتصر الدعم على التمويل فقط، بل اهتمت بالنشر الواسع للبحوث وتطبيق نتائجها في الواقع، وكان لكل ذلك دور حاسم في تعزيز البحث في مجالات علم المعلومات(41) ، وتزامن هذا الوضع مع تطورات علمية وتكنولوجية في مجالات الحواسيب والاتصالات والاتصالات عن بعد التي تمازجت معاً لتنتج تكنولوجيا المعلومات، ولتوجد أوعية معلومات جديدة غير تقليدية ولتحدث ثورة في عالم المكتبات، فمن تفاعل كل هذه العوامل وغيرها ظهر علم المعلومات وحدد مشكلته العلمية الأساسية في قضية ايصال المعرفة وتوصيلها بين قطبي إنتاجها والإفادة منها• وخلاصة القول: >فقد وجد علم المعلومات من خلال حركة العلوم••• ومن خلال حاجات التخصصات العلمية والتكنولوجية إلى المعلومات، ومن خلال التطورات الخاصة بمعالجة المعلومات آلياً <(51)•
1 ـ 4 ـ النمو والتطور
إن الجـوانب العملية لعلم المعلومات كانت الأسبق في الظهور من جوانبه النظرية التي وجدت في أواسط القـرن العشريـن، وكـلا الجـانبين النظـري والتطبيقي يكونان الهيكل العلمي الحقيقي لهذا العلم، وتمثل المكتبات ودور الوثائق ومراكـز المعـلومـات المتنوعة الميادين التطبيقية لعلم المعلومات• وقد كانت هذه المؤسسات ـ خاصة المكـتبات ـ تقدم خدماتها الثقافية إلى المستفيدين منذ فجر التاريخ، وهي مستمرة في عطـائها، غير أنها بعد التطور العلمي والتكنولوجي الذي شهده العالم، وتفجر المعلومات وازدياد الحاجة إليها وتطـور هذه الحاجـة وتنوعها، قد أصبحت عاجزة عن القيام بواجباتها تجاه المجـتمع كـما ينبغي•
ومنذ أواسط القرن التاسع عشر ظهرت حركة التوثيق (Documentation) التي كانت تهدف إلى تقديم تحليل مكثف لمحتويات أوعية المعلومات، وأكثر عمقاً مما كانت تقدمه الإجراءات المكتبية(61) وبعد استخدام الحواسيب في العمليات المكتبية أظهرت عمليات استرجاع المعلومات(71) أن هذه المحاولات المعلوماتية المتعددة هي مراحل تطورية لعلم المعلومات في جوانبه التطبيقية، إلا أنها ما كانت لتستمر وتتطور اعتماداً على كونها خبرات مهنية تستند إلى طريقة المحاولة والخـطأ، بل هي بـأمس الحاجة إلى مبادئ وقوانين علمية أساسية تستند إليها في تطبيقاتها الميدانية، وتعتمدها سنداً للتفسير والتخطيط والتطوير، ولقد وجدت مفاهيم علم المعلومات ونظـرياته لبناء هذه الأسس، وتطوير لمبادئ مهنة المكتبات وأهداف التوثيق، وتكاملاً معها واستحواذاً عليها في علم شامل تستظل بمظلته هذه التخصصات والخبرات المهنية بصورة موحدة وهكذا كان وتطور علم المعلومات واتخذ تسميات متعددة فهو (Information Science) في الدول الأنجلو أمريكـية، وهو المعلوماتية (Information) في دول الاتحاد السوفييتي السابق، وهو >علم المعلومـات والتـوثيق (Information Science and documention) في ألمانيا(81) وهي تسميات لعلـم واحد(91)•
إن المصطلح الموحد >علم المعلومات< كان قليلاً ما يظهر في الموسوعات والكتب والمجلات، قبل إطلاق القمر الصناعي الروسي سبوتنك (Sputink)(02) عام 7591، وأن ذلك لايعني عدم وجود علم للمعلومات قبل هذا التاريخ(12) ، ولكن كان اطلاق القمر الروسي اطلاق لعلم المعلومـات في الولايـات المتحـدة الأمريكـية وفي غيرها كـما يـقول هرنـر(22)•
إن علم المعلومات قبل أن تظهر تسميته هذه، كان له وجود حقيقي في النتاج الفكري وفي المؤتمرات العلمية وفي الجامعات والمؤسسات العلمية والمهنية• ففي عام 8491 عقدت الجمعية العلمية الملكية في لندن المؤتمر الدولي للمعلومات العلمية (Royal Society Scientific Information Conference) الذي كانت تغطي محاوره البحثية موضوعات علم المعلومات بصورة شاملة(32) وفي عام 0591 دخل علم المعلومات مقررات المكتبات في الجامعات الأمريكية تحت تسمية >التوثيق<، وفي عام 8591 عقدت اللجنة الملكية مؤتمراً دولياً آخر بعنوان المؤتمر السابق نفسه، قال عنه والش (H.Wellisch) إن هذا المؤتمر لو عقد الآن (عام 2791) لكان عنوانه: >المؤتمر الدولي لعلم المعلومات<(42) كان علم المعلومات يتطور باستمرار قبل أن يكتسب تعريفه الرسمي الموحد في مؤتمرين علميين عقدهما معهد جورجيا للتكنولوجيا (Georgia Institute Of Technology) في عامي 1691 و1962 وفي عام 6691 وجد أن النتاج الفكري في مجالات علم المعلومات قد تزايد بشكل يستدعي المراجعة السنوية لمفرداته، فصدر الاستعراض السنوي لعلم المعلومات والتكنولوجيا: (ARIST: Annual Review For Information Science and Technology) وقد حمل أول مجلداته عام 6691 استعراضاً لـ 7152 بحثاً(52) وفي عام 7691 تغير اسم المعهد الأمريكي للتوثيق (American documention Institute) الذي تأسس عام 7391 فأصبح >الجمعية الأمريكية لعلم المعلومات (ASIS: American Society for Information Science) وتزايدت اهتمامات الاتحاد الدولي للتوثيق (FID: International Federation for documentation) بالدراسات النظرية للمعلومات والأساليب الآلية في معالجتها، ثم أخذ المصطلح (علم المعلومات) ينتشر في أسماء المعاهد الدراسية والجمعيات والاتحادات الوطنية المتخصصة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرها، وكانت التجمعات المهنية في بريطانيا أسبق من المعاهد الأكاديمية إلى استعمال المصطلح، ففي عام 8591 تأسس معهد عـلماء المعـلومـات ليضـم العـامـلين بنظـم استرجاع المعـلومـات المتخصصة(62)•
وفي بداية السبعينيات كان البحث في مجالات علم المعلومات قد تطور بصورة دفعت تافكو سراسفك إلى إعداد مسح لعلم المعلومات في شكل كتاب متقن التحرير أعطى صورة للجوانب التي حظيت بالاهتمام خلال العقد المنصرم(72)•
إن مظاهر تطور علم المعلومات يمكن قياسها اعتماداً على مؤشرات إيجابية توفرت له منذ الثمانينيات وأهم هذه المؤشرات هي82)•
ـ باحثون في مجالات علم المعلومات•
ـ مدرسون يعملون في حقل المعلومات•
ـ مدرسون وبرامج دراسية جامعية•
ـ مؤسسات بحثية وأكاديمية مهتمة بعلم المعلومات•
ـ جمعيات مهنية•
ويعكس دليل إفلا (IFLA: International guide to library and information science education) الموقف العالمي لتدريس علم المعلومات، إذ يحصي 625 مدرسة وقسماً دراسياً في أنحاء العالم، وتحت تسميات متعددة (برامج مكتبات، توثيق، أرشيف، ببليوغرافيا•••إلخ) وإن أغلب هذه المدارس والأقسام تقدم برامجها في المستويات الجامعية المختلفة بمعدل برنامج واحد إلى ثلاثة برامج(92)•
إن مؤشر التدريس ـ كما يرى الباحث ـ هو أقوى المؤشرات الذي يدل على مدى تطور العلم وازدهاره، لأنه يجمع كل المؤشرات الأخرى ويحتويها، ويكون هذا المؤشر أقوى ما يكون عندما يرصد في الدول المتقدمة علمياً نظراً لاهتمام هذه الدول بالتقدم العلمي والتكنولوجي، بغض النظر عن الأسباب التي تقف وراء هذا الاهتمام• لذلك نجد أن في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها 711 كلية أو جامعة تمنح شهادة البكالوريوس في علم المعلومات تحديداً، و 45 كلية وجامعة تمنح شهادات عليا في عموم موضوعات علم المعلومات، وهذا ما أشارت إليه إحصاءات العام الدراسي 0991/1991(03) ولم تدخل في هذه الإحصاءات الكليات والجامعات التي تمنح شهادات متنوعة في تدريسات جزئية، في المهنة المكتبية مثلاً• أو في الوثائق، أو في غيرهما مما ينضوي تحت لواء علم المعلومات الشامل• وتعد الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر دول العالم اهتماماً بالمعلومات وعلم المعلومات وتكنولوجيا المعلومات، خصوصاً في عقد التسعينيات من أجل فرض هيمنتها على العالم، فقد بلغت مصروفات الشركات الأمريكية في مجال تكنولوجيا المعلومات (حواسيب وأجهزة اتصالات وبرامجيات وغيرها) ما مقداره 041 بليون دولار عام 2991 بينما كانت مصروفاتها في العام نفسه في المجالات الصناعية (مستلزمات، مكائن، نفط وغيرها) أقل من 021 بليون دولار• وقد كان هذا الوضع معكوساً في الثمانينيات إذ كانت المصروفات الصناعية 001 بليون دولار عام 2891، في حين صرفت في مجال المعلومات 04 بليون دولار في العام نفسه(13) إن العصر الذي نعيشه اليوم، عصر ما بعد الصناعة، عصر المعلومات التي أصبحت اليوم سلعة من أغلى السلع وتوظف في استثمارها كميات كبيرة من الأموال، وتسعى دول العالم المتقدمة والنامية إلى دخول عالمها وبناء مرتكزاتها الأساسية وخصوصاً منها التكنولوجية لأن الرهان ليس فقط على الناحية الاقتصادية ولكنه سياسياً واستراتيجياً، فمن يسيطر في التقنية العالية فإنه سيسيطر في أي مجال آخر<(23)•
نخلص من كل ما تقدم إلى أن المعلومات هي ـ وكما كانت في كل زمان ومكان ـ: حاجة أساسية من حاجات الإنسان المعاصر، وأن هذه الحاجة ظاهرة اجتماعية اكتسبت تلك الصفة من كونها سلوكاً عاماً وأساسياً لبني البشر، وأن هناك علماً قائماً بذاته يدرس هذه الظاهرة من وجوهها كلها، وأن علماء المعلومات يجتهدون في صياغات تعريفاته منذ ستينيات القرن الماضي•
2 ـ قضية تعريف علم المعلومات
تعاني علوم كثيرة من إشكالية وضع تعريف جامع مانع لها، متفق عليه ويتم اعتماده بصورة مستمرة، وذلك بسبب طبيعة العلم التطورية، إذ تتجدد وتتعدل اتجاهات البحث والدراسة على توالي الأزمان، وتتراكم المعلومات العلمية وتنمو في مسارات متشعبة وفق تطور المفاهيم وتكوين النظريات الجديدة، إذ تتسم النظريات العلمية بالتغيير على نحو دائم(33)، وكلما تنوعت دراسات الباحثين في مجـالات هذه العلوم واستدعت الحاجة إلى استيعاب الإبداعات الجديدة في الجهد العلمي وميادين التطبيق، كلما أعيد النظر في المسلمات القديمة والمفاهيم والنظريات والتعـريفات الثابتة في تلك العلوم وعدلت أو استبدلت بما يلائم الحالة العلمية الجديدة• وبهذا تواكب العلوم التقدم الإنساني المضطرد، في مجالاتها وفي المجـالات الأخـرى المؤثرة فيها والمتأثرة بها، فينمو ويـزداد نشـاطها العلمي•
إن قضية وضع تعريف لعلم المعلومات هي مشكلة مزمنة صاحبت هذا العلم منذ بداياته وما تزال حتى اليوم تحظى بنقاش كبير وجدل واسع، وتلك ظاهرة طيبة، تدل على حيوية هذا العلم وتجدده وتطوره المتنامي المستجيب للتقدم العلمي الذي تشهده ميادينه النظرية والتطبيقية والحقول العلمية الأخرى المرتبط بها علمياً أو عملياً >فالعلم لا يتحجر وإنما يتطور كل يوم بالنماذج الجديدة، ومن لايقبل هذا التطور فليس هو بعالم<(34) ويسعى علماء المعلومات في أنحاء العالم إلى وضع نظرية شاملة لعلم المعلومات وبناء قوانينه العلمية وإنجاز تعريفه الموحد•
فهو من العلوم الحديثة النشأة ولم يتجاوز عمره النصف قرن• وإن البحث في قضية تعريفه مسألة طبيعية، لن تعيق تطوره، فعلم كالاتصال مثلاً لم يتم الاتفاق على تعريف جامع له، وليس ذلك عيباً في علم الاتصال إذ إن مشكلة صياغة التعريفات مشكلة شائعة في كل العلوم(35) ولاسيما الحديثة منها على وجه الخصوص• لقد وضع الرواد الأوائل ومن جاء بعدهم تعريفات متعددة لعلم المعلومات، وأن اختلفت هذه التعريفات في صياغاتها اللغوية أو تفصيلاتها الجزئية، فإنها تتفق في معانيها الشاملة وفي أطرها العامة، وقد عبرت في مجملها عن قضية واحدة ولكن من وجهات نظر متعددة•
وبعد أن درس الباحث عدداً كبيراً من هذه التعريفات وعدداً آخر من دراسات وبحوث كتبت عنها، توصل إلى أن التعريف الذي صدر عن مؤتمري معهد جورجيا للتكنولوجيا، المعقودين عامي 1691 و 2691 كان أكمل وأشمل التعريفات، وأن باقي التعريفات وإن زادت عليه أونقصت عنه، فإنها تصدر منه وترد إليه، فضلاً عن كونه أول وأقدم هذه التعريفات وله قوة الإجماع العلمي لصدوره عن مؤتمر ترعاه مؤسسة علمية سعت من خلاله إلى وضع برامج دراسية لأخصائيي المعلومات، لذلك فقد تم اعتماده أساساً لمناقشة التعريفات الأخرى ومقارنتها به•
عرف مؤتمر معهد جورجيا علم المعلومات بأنه: >العلم الذي يدرس خواص المعلومات وسلوكها والعوامل التي تحكم تدفقها، ووسائل تجهيزها لتيسير الإفادة منها إلى أقصى حد ممكن، وتشمل أنشطة التجهيز، إنتاج المعلومات وبثها وتجميعها وتنظيمهاواختزانها واسترجاعها وتفسيرها واستخدامها والمجال مشتق من أو متصل بـ >الرياضيات، المنطق، اللغويات، علم النفس، تكنولوجيا الحاسوب الإلكتروني، بحوث العمليات، الفنون الجرافية [الطباعية]، الاتصالات،علم المكتبات، الإدارة• وبعض المجالات الأخرى<(63)•
إن هذا التعريف يحدد ثلاث مواصفات أساسية لعلم المعلومات هي:
2 ـ 1 • إنه يدرس ظاهرة >المعلومات< خواصا وسلوكاً وتدفقاً وتجهيزاً لغرض الإفادة•
2 ـ 2• له جانبان أحدهما علمي نظري، والآخر عملي تطبيقي•
2 ـ 3• له ارتباطات وتداخلات موضوعية أساسية مع حقول علمية متعددة•
ويلاحظ أن >علم المكتبات< يرد في التعريف عند آخر قائمة العلوم المتصلة بعلم المعلومات، وهو العلم الأكثر عطاء لهذا العلم الجديد، حيث قدم له الأدوات والأساليب المهنية الأساسية للعمل المعلوماتي•
وتكاد تجمع التعريفات الأخرى على ذكر المواصفات الثلاث المحددة لعلم المعلومات في صياغاتها تصريحاً أو تلميحاً، سنجد ذلك واضحاً في أهم هذه التعريفات التي صاغها أبرز علماء المعلومات في العالم، ففي عام 3691 نشر تايلور (R.S. Taylor) تعريفه الذي نص على أن >علم المعلومات< يدرس خواص المعرفة وكيانها وبثها، ويطور وسائل تنظيمها بغرض الإفادة منها، وبناء على ذلك فإن لعلم المعلومات جانبين، أحدهما نظري (Theortical) والآخر عملي (Operational)، ففي الجانب النظري يدرس نظم المعلومات المتنوعة، والإنسان كعنصر في عملية الاتصال ويدرس تفاعل العوامل المؤثرة في ذلك، وفي هذا الجانب فإنه يتقاطع مع علوم متعددة كالرياضيات والمنطق، وعلم النفس وعلم وظائف الأعصاب (Neurophysiology) وعلم اللغة•
أما في الجـانب العملي فالاهتمام يكـون بتطوير النظـم البشريـة/الآلـية، لتوفـير أفضـل الأوضـاع للإفادة من المعرفة المتخصصة، وفي هذا الجانب فإنه يتقاطع مع التكنولوجيا في مجال الهنـدسة الكهربائية والحـواسيب ومع عـلم الإدارة والمهنـة المكـتبية وبحـوث العمليات(73)•
إن هذا التعريف وإن احتوى أساسيات تعريف معهد جورجيا فقد كان أكثر عمومية، إذ أشار تايلور في تعريفه إلى مجموعة من علوم المعلومات وليس علماً واحداً• ويكرر تايلور عام 7691 مضمون تعريفه هذا في حديث له أمام الجمعية الأمريكية لعلم المعلومات(83)•
وفي عام 8691 قدم بوركو (H.Borko) تعريفه الشهير لعلم المعلومات موضحاً بأنه علم متداخل التخصص (Interdisciplinary) يبحث في خواص المعلومات وسلوكها، والقوى التي تحكم تدفقها والإفادة منها، والأساليب اليدوية والممكنة في معالجتها وخزنها واسترجاعها وبثها(93)، وقد جاء هذا التعريف بخلاصة تعريف مؤتمري معهد جورجيا، وأن استخدامه عبارة >الأساليب اليدوية والممكنة في معالجة المعلومات وخزنها واسترجاعها وبثها<، فيها إشارة إلى الجانب التطبيقي من علم المعلومات المستند إلى الأساليب المكتبية التقليدية التي تطورت باستخدام تكنولوجيا المعلومات في المكتبات•
وعند بداية السبعينيات وصل عدد تعريفات علم المعلومات تسعة وثلاثين تعريفاً، استعرضها والش في دراسة نشرت عام 2791 وحلل مصطلحاتها وتطوراتها تاريخياً وفق طريقة تحليل المضمون (Content analysis) مشيراً إلى أن علم المعلومات بدأ بتسمية (Library economy) وهي مدرسة ديوي للمكتبات التي أسسها عام 7881، وانتهى بتسمية (Informatics) مروراً بتسميات >التوثيق< و >استرجاع المعلومات< و >خزن واسترجاع المعلومات<(04)•
إن هـذه التسميات تمثل المسيرة التطورية لعلم المعلومات الذي بدأ من المكتبات وانتهى عـلماً شـامـلاً مسـتقلاً•
وفي مؤتمر لعلم المعلومات عقده المعهد الدولي للتوثيق (FID) في موسكو عام 4791 قدم بروكس تعريفاً لعلم المعلومات، ينصب اهتمامه في تحديد الجانب التطبيقي لعلم المعلومات الذي يركز على السيطرة الشاملة للمعلومات العلمية والفنية الموثقة (documentary) فيختارها ويجمعها ويستخلصها ويكشفها وينظمها بوساطة الحاسوب أو غيره، وبطرق وأساليب متنوعة تسهل استرجاعها والإفادة منها لأنواع المستفيدين، وإننا مهتمون مهنياً بتحديد العلاقة القائمة بين >المعلومات< و>المعرفة<•(14)•
إن هذا التعريف هو من أفضل التعريفات التي توضح العلاقة القائمة بين علم المعلومات وأساسيات المهنة المكتبية، وقد طرح بروكس في هذا المؤتمر شرحاً رياضياً للتغيير الهيكلي في كيان المعرفة الذي يحدثه تراكم المعلومات العلمية، ساعياً إلى تحديد العلاقة بين المعلومات والمعرفة لكونها ضرباً من الدراسات النظرية في علم المعلومات• وفي عام 7791 يطرح بوركو وزميلاه سامويلسيون (k.Samuelsion) وآمي (B.X. Amey) تعريفاً يتضمن أساسيات تعريف معهد جورجيا(24) وهو تكرار لمضمون تعريفه الذي نشره عام 8691، وفي ختام السبعينيات، يستعرض تافكو سراسفك مجموعة من هذه التعريفات مؤكداً على أهمية دراسة هذه القضية، ويرى أن التعريف يمكن أن يتم بطريقتين هما: إما من خلال قواميس نوعية تعطي الخطوط العريضة للحدود الموضوعية للعلم، وإما من خلال مناقشة المشكلات التي يواجهها الحقل العلمي، مستشهداً بالقول: >إن العلم يعرف من خلال مشكلاته<، ولا نخرج من دراسة سراسفك هذه بتعريف جديد، بل يكتفي بإيضاح المشكلات العلمية لهذا العلم ويحددها بمشكلة الاتصال المعرفي ومشكلة النتاج الفكري ومشكلة نظم المعلومات (المكتبات وغيرها)(34)•
وفي أواسط الثمانينيات ينشر وليامز(44) تعريفاً يذكر فيه: >أن علم المعلومات يبحث في طبيعة المعلومات والتفاعل الإنساني معها، وعمليات الاتصال، وهو بوصفه تخصصاً متطوراً فإنه يستخدم أدوات وأساليب أو تكنولوجيات عدد من التخصصات العلمية وأن موضوعه الأساس هو >المعلومات< ومشكلته العلمية هي >الاتصال الإنساني<•
إن هذا التعريف يحمل روح تعريف معهد جورجيا، إذ نص على أن >المعلومات هي موضوع الدراسة<، وأن للعلم جانبين نظري وتطبيقي، وأن تخصصات علمية متنوعة ترفد علم المعلومات بأدوات وأساليب وتكنولوجيا، وما قيل عن هذا التعريف يقال عن تعريف آخر صدر في الفترة نفسها، إذ نشر هيس (R. Hayes) (54) ما نصه: >إن علم المعلومات هو دراسة لعمليات إنتاج المعلومات التي تتم في أي نظام للمعلومات<، وأن هذه النظم يمكن أن تشمل:
ـ الحاسوب بوصفه نظام معلومات في حد ذاته•
ـ نظم المعلومات المبنية على الحاسوب•
ـ المكتبات ومراكز المعلومات بوصفها نظم معلومات•
ـ النظم الاجتماعية والنظم البيولوجية•
لقد أضاف هذا التعريف قضية جديدة لم تتطرق إليها التعريفات الأخرى وهي قضية المعلومات في النظم البيولوجية، قاصداً بذلك الإشارة إلى تناقل المعلومات داخل جسم الكائن الحي بوساطة الأعصاب، أو تناقلها عبر أجيال الكائنات الحية بوساطة الجينات الوراثية التي يعدها المتخصصون في علوم الأحياء أو التاريخ الطبيعي، أقدم ناقل للمعلومات(64)•
واستمراراً للتعريفات السابقة نجد في عام 9891 تعريفاً يوضح بأن: >علم المعلومات يسعى إلى وضع المبادئ التي تحكم السلوك الإنساني في التعامل مع المعلومات، وذلك بهدف استخدام تلك المبادئ في تصميم نظم وخدمات معلومات فعالة<(74)•
وحتى التسعينيات تستمر مناقشة قضية تعريف علم المعلومات لأهميتها في تحديد موضوعات المجال وبناء برامجه الدراسية وتنتهي دراسة نشرت عام 2991 إلى أن هنالك اتفاقاً عاماً على أن علم المعلومات هو تخصص متداخل تتنازعه تخصصات علمية عديدة، ولابد من معرفة الحدود الفاصلة بينها وبين علم المعلومات(84)•
نخلص من ذلك كله إلى إشكالية إنجاز تعريف لعلم المعلومات فتتحكم فيها أربعة عوامل وتمثل أسبابها الرئيسة في الوقت نفسه وهي:
2 ـ 1ـ حداثة علم المعلومات
إن علم المعلومات لم يكمل عقده الخامس بعد، وإن علوماً كثيرة أسبق منه لم ينجز تعريفها الجامع حتى الآن، مثل علم النفس الذي مايزال متخصصوه يتجادلون في قضية تعريفه الموحد المتفق عليه• ويعزون أسباب ذلك إلى أن علمهم لم يزل يافعاً مع أنهم احتفلوا عام 0891 بالعيد المئة لنشوئه(94)•
إن وجـود تعريف متفق عليه من الجميع ليـس شرطاً لقيام علم معين، فالعـلم يـوجد ويتبلور موضـوع دراسـته ويتطـور بوجود تعريفه الجامع أو بغير وجوده• وإن تعريفاً جامعاً متفق عليه في فتـرة معينة، سوف يصبح غير ذلك في فتـرة لاحقـة بسبب طبيعـة العـلم التطورية وحركته الدائبة نحو التغيير واستكـشاف الظـواهر الجديـدة وبـناء النظريـات الحديثة•
2 ـ 2 ـ طبيعة موضوع الدراسة
إن ظاهرة >المعلومات< هي الموضوع الأساس لعلم المعلومات، وهذا المصطلح ذو طبيعة دلالية متغيرة وشديدة التنوع في معانيها، نسبة إلى مواقع استخدامها وخلفيات مستخدمها، فمهندسو الاتصالات يهتمون بالمعلومات لأنها تمثل >الرسالة< في عملية الاتصال، وعلماء النفس أيضاً لأنها مظهر التفكر والإدراك، وعلماء الحواسيب وعلماء اللغة، وعلماء الرياضيات والمكتبيون والموثقون وغيرهم• كل ينظر إليها من وجهة نظر التخصص الذي ينتمي إليه، غير أن علم المعلومات يحتوي هذه الظاهرة وينفرد بدراستها من جوانبها المتنوعة كلها لكونها موضوعه الأساس، مستفيداً من نتائج بحوث ودراسات تلك التخصصات المختلفة ويوظفها لخدمة أهدافه العلمية والعملية•
2 ـ 3 ـ التداخل الموضوعي
يتصل علم المعلومات بعلوم متعددة ويستعير منها أدواتها وأساليبها ويستخدمها في جانبيه العلمي والعملي، فهو يستفيد من الأساليب الرياضية والإحصائية ومن علم المنطق واللغويات وغيرها في إنجاز دراساته النظرية الأساس، وفي جوانبه العملية فهو يستفيد من أنواع التكنولوجيات في مجالات الحواسيب والاتصالات والاتصالات عن بعد وغيرها• فضلاً عن استفادته الكبيرة من الأساليب المكتبية في الإجراءات والخدمات وخاصة بعد تطويرها بإدخال التكنولوجيا الحديثة إليها، ولقد استفاد علم المعلومات في إثراء جوانبه النظرية أيضاً من فلسفة ومبادئ الخدمة المكتبية، التي تطورت بتأثيره إلى الاهتمام >بالمعلومات< بصورة شاملة بدلاً من التحدد بأوعيتها فقط• ومن أجل ذلك فإن تداخلات موضوعية قد حصلت بين موضوعات هذه العلوم والتخصصات من ناحية وموضوعات علم المعلومات من ناحية أخرى، لتقاطعهما في نقاط مشتركة•
2 ـ 4 ـ تنوع خلفيات المتخصصين
استقطب علم المعلومات ـ لكونه علم حديث ـ علماء وباحثين من تخصصات علمية متنوعة، والأمثلة كثيرة في الرواد الأوائل وفي أغلب علماء المعلومات في العالم، وأن هؤلاء قد استندوا في بحوثهم ودراساتهم في المجال، إلى الكثير من مفاهيم تخصصاتهم السابقة ومصطلحاتها وأساليبها البحثية، ويعتقد حشمت قاسم بأن ذلك قد أرهق المجال >بكثير من المصطلحات والمفاهيم المستعارة من مجالات شتى، والمنبثقة عن خلفيات متباينة<(05)، وفي هذا القول جانب من الصواب كبير، إلا أن هذه الحالة زودت علم المعلومات بروافد علمية متنوعة، لم يمض وقت طويل حتى تفاعلت مع أساسيات علم المعلومات وفلسفته ونظرياته واندمجت في سياقه الشامل، وأطلت في بعض الأحيان من خلال تعريفات علم المعلومات لاتصنع العلوم بل العكس هو الصحيح، ونخرج من تلك المناقشات السابقة إلى أن تعريف مؤتمري معهد جورجيا هو التعريف الموحد لعلم المعلومات، مالم يظهر مستقبلاً في أحد المجالين النظري أو العملي لعلم المعلومات ما يستدعي إعادة النظر في بعض فقراته وتحديداته•
المصدر : المجلة العربية للمعلومات .ع3 ، 2001 .
تمهيد
قبل تحديد مفهوم العلم لابد من التحقق من وجوده أولاً، ولابد من الإحاطة بمدى اكتسابه صفة العلمية ثانياً، إن وجود العلم يتحقق من خلال أمور كثيرة مثل عدد المتخصصين في مجالاته، من الباحثين والعاملين في ميادينه، ورصيده من النتاج الفكري كماً ونوعاً، ومؤسساته الأكاديمية والمهنية، وأنشطته العلمية من مؤتمرات وندوات وغير ذلك•
ولعلم المعلومات وجود حقيقي ومتكامل منذ الستينيات أكده علماء المعلومات، ففي عام 8691 درس تافكو سراسفك وريس (TEFKO SARACEVIC & A.M.Rees) وجودية علم المعلومات وأثر ذلك في التطبيقات المكتبية(1) وحددا سبعة شروط يجب توفرها في أي علم لكي يستحق أن تطلق عليه تسمية علم >Science< وهذه الشروط هي:
1 • وجود مجتمع مهتم بدراسة مجموعة من الظواهر•
2 • وجود أشخاص متخصصين في مجالاته ولهم مواصفات واهتمامات مشتركة، وهم عادة ينتمون إلى مؤسسات أكاديمية وبحثية•
3 • توفر أساليب وأدوات ومناهج للبحث في ميادينه•
4 • قيام أساس نظري يستند إليه سواء كان ذلك الأساس مكتملاً أو في سبيل الاكتمال•
5 • وجود تعليم نظامي لمن يهتم بموضوعاته•
6 • توفر قنوات اتصال رسمي وغير رسمي بين المتخصصين والباحثين في مجالاته•
7 • وجود جمعية مهنية ومجلة علمية متخصصة•
ولقد قرر الباحثان ـ في ذلك الوقت ـ انطباق أغلب تلك الشروط والمواصفات ـ إن لم تكن جميعها ـ على علم المعلومات وفق معطيات تلك الفترة، بينما نستطيع الجزم اليوم ـ ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين ـ بأن علم المعلومات قد استكمل تلك الشروط تماماً، وتوفرت له خصائص العلم الكامل الواضح الحدود، وأنهى موفقاً رحلة البحث عن الهوية التي كتب عنها حشمت قاسم في بداية الثمانينيات(2)•
1 ـ نشأة علم المعلومات
1ـ 1 ـ ملامح أولية
منذ أن خلق الله تعالى الإنسان وعلمه البيان كان طلب العلم ضالته المنشودة، وإحدى حاجاته الأساسية، من أجل أن يعرف نفسه ويعرف عالمه، ولقد تعلم الكثير وحفظ الكثير حتى ضاقت حافظته فاخترع الكتابة معيناً لذاكرته، تحفظ خبراته ومعارفه عبر الزمن وتنقلها إلى الأجيال الآتية من بني جنسه، فكتب على الأحجار وعلى جدران الكهوف وعلى الطين وعلى البردي وعلى جلود الحيوانات، وعلى كل شيء يصلح أن يكون وعاءً للمعلومات• وعندما تكاثرت هذه الأوعية تفرغ نفر ممن يمتلكون حب العلم والكفاءة لترتيب وتنظيم تلك الأوعية بطريقة تسهل الوصول إلي أي منها، وكان سدنة المعلومات هؤلاء يجرون عمليات البحث والتنقيب عن المعلومات ويستخرجونها من مظان هذه الأوعية، فيستفيدون منها أو يستفيد منها غيرهم• بهذا الجهد المعلوماتي العملي بدأت البوادر الأولى لمهنة المعلومات في أبسط صورها، واستمرت تتطور مع تطوير الإنسان وازدهار حضارته، والتزم الملوك والأمراء وذوو الأمر بتشجيع هذه المهنة العلمية وإقامة مؤسساتها المختلفة من مكتبات ودور وثائق وغيرها، وأغدقوا العطايا على القائمين عليها•
كانت الكتابة أول ثورة حضارية للفكر الإنساني، غير أن اختراع الورق وسع قاعدة تلك الثورة وقدم لها سبل التطور والانتشار•
لقد كان للعراقيين الأوائل فضل اختراع الكتابة، وكان للعرب المسلمين فضل تطوير صناعة الورق وتعريف العالم بقيمته، في وقت كانت أوربا يعمها ظلام الجهل•
واستمر الكفر الإنساني يغذي بعضه بعضاً حتى القرن الخامس عشر الميلادي إذ اخترعت الطباعة بالحروف المعدنية المتحركة فنقلت العالم إلى عصر حضاري جديد• فطبعت الكتب بنسخ كثيرة وازداد تداولها بين الناس وانتشر العلم، وظهرت الدوريات، التي صدرت أول أنواعها في فرنسا عام 6561، وهي مجلة أسبوعية بعنوان (Journal des Scavants) وبعدها ـ في العام نفسه ـ صدرت الدورية البريطانية (Philosophical Transactions) التي عدت أول نموذج للمجلة العلمية(3)•
وهكذا ازدهرت حركة طبع ونشر الكتب والدوريات وغيرها من المنشورات الورقية، وتزايدت أعدادها وتنوعت أشكالها، غير أن هذا التزايد في أنواع المطبوعات أخذ يتضاعف عبر السنين، حتى بلغ معدل تزايده في الوقت الراهن قدر ثلاث مرات نمو سكان العالم تقريباً• وتتضاعف المعلومات كل 01 ـ 51 سنة، وأنه تصدر اليوم حوالي ثلاثين ألف مجلة علمية وتكنولوجية تحتوي على 0.9 إلى 1.2 مليون مقالة سنوياً(4)•
وفي وقت مبكر أحس المهتمون بقضية توصيل المعرفة بمشكلة تفجر النتاج الفكري العالمي المتفاقمة، وتنبهوا إلى ضرورة وضع حل عاجل لها، فإن الإنسان يقف عاجزاً أمام الاستفادة الفاعلة من هذا الكم الهائل من نتاجات العقل البشري، بلغاتها المختلفة وأشكالها وأنواعها المتعددة، بعد أن ظهر بشكل لافت للنظر عجز الوسائل التقليدية من نظم المعلومات المتاحة في السيطرة على النتاج الفكري وضبطه وتنظيمه وتسهيل الإفادة منه بصورة فاعلة•
1 ـ 2 المخاض
أول صيحة تحذير نبهت إلى مشكلة تزايد النتاج الفكري الإنساني، أطلقها جوزيف هنري (J.Henry) سكرتير مؤسسة (Smithsonia institute) عام 1581 إذ يقول: "لقد أثبتت التقديرات الإحصائية أن مقدار ما ينشر سنوياً من مصادر المعلومات يبلغ حوالي عشرين ألفاً من المجلدات، بما فيها النشرات، وتعد كلها إضافات إلى رصيد المعرفة البشرية، ومالم ترتب هذه الكميات الضخمة بطريقة ملائمة، ومالم تعد لها الوسائل اللازمة للتحقق من محتوياتها، فسوف يضل الباحثون سبيلهم بين أكداس النتاج الفكري، كما أن تل المعلومات سوف يتداعى تحت وطأة وزنه، ذلك لأن الإضافات التي سوف تضاف فوقه، ستؤدي إلى اتساع القاعدة دون الزيادة في ارتفاع الصرح ومتانته"(5)، وبعد مئة عام، وبعد تفاقم الأزمة التي أذكى أوارها تضخم النتاج الفكري العالمي، أصبحت السيطرة على المعلومات وتوفيرها للمستفيدين في غاية الصعوبة، وتم التسليم بأن الأدوات المكتبية التقليدية كانت محدودة في قدرتها على مواجهة الكثير من هذه المشكلات الجديدة، وقد دفع هذا الاعتراف العام إلى بذل الجهود من أجل التغلب على مظاهر القصور هذه باستخدام الوسائل والأجهزة الأكثر مرونة(6)•
وفي عام 5491 نشر فانيفربوش (V.BUSH) مقالته الشهيرة هكذا يجب أن نفكر: As We Must Think (7) حدد فيها ملامح هذه الأزمة قائلاً: "هناك جيل يتضخم من البحوث إلا أن هناك دليلاً واضحاً على أننا مهددون الآن طالما أن هناك نمواً في التخصص، فالباحث يترنح تحت وطأة النتائج والتوصيات التي يخرج بها آلاف الباحثين الآخرين•• ومن وجهة النظر المهنية، فإن سبلنا من أجل توصيل نتائج البحوث وعرضها، أصبحت متخلفة لعدة أجيال كما أنها قد أصبحت الآن غير ملائمة لأغراضها على الإطلاق"(8) ويقترح بوش لحل المشكلة آلة سماها المفكرة (Memex) ، وهذه المفكرة عبارة عن وسيلة يختزن فيها الفرد جميع كتبه ومسجلاته واتصالاته، التي يتم تطويعها للآلة حتى يكون من الممكن الرجوع إليها بسرعة ومرونة فائقتين، وهي بمنزلة ملحق مكبر خاص بذاكرته، وهي تتكون من مكتب، ومن المفروض أن يتم تشغيلها من بعيد•• وفي قمتها توجد الشاشات الشفافة، التي يمكن عرض المواد عليها لقراءتها كما أن فيها لوحة مفاتيح، ومجموعة من الأزرار والأذرع(9)• ويستمر بوش في وصف آلته العجيبة التي تعمل بالمايكروفيلم، ويتم الاسترجاع منها وفق خطة تكشيف معينة•
هذه الآلة الحلم وجدت بالفعل، وأصبحت جزءاً أساسياً وحيوياً من حياة الإنسان وليس مجرد ملحق مكبر خاص بذاكرته كما قال عنها بوش، تعد مقالة بوش هذه من أول الكتابات الأساسية في الجوانب النظرية لعلم المعلومات(01) وظلت تحصل على إشارات ببليوغرافية إليها منذ صدورها وحتى الستينيات(11) بل وحتى الآن•
وهناك أصوات أخرى في أنحاء مختلفة من العالم كانت تنبه وتصور مشكلة تضخم النتاج الفكري وتفجر المعلومات، فقد صور فافيلوف (S.I. Yavilov) رئيس الأكاديمية الروسية، رجل العلم وهو يقف منذهلاً أمام جبال المكتبات الشامخة، وليس لديه القدرة على استخراج حبة الذهب التي يحتاجها منها• والعالم الإنكليزي الفيزيائي برنال (J.D. Bernal) كان يرى أنه من الأسهل أحياناً إعادة اكتشاف الظاهرة الطبيعية من أن نجد المادة العلمية التي كتبت عن اكتشافها، ويقول الفيزيائي الفرنسي دي بروكلي (de Broglie L.): >غالباً ما يشعر المرء أنه مدفون تحت أكوام من المقالات والكتابات••• وأنه غالباً ما يعجز عن قراءتها من أولها إلى آخرها، ناهيك عن توفير الوقت للتفكير بها ثانية(21)•
لقد كان الإحساس عالمياً بهذه المشكلة، ويعكس الاهتمام المتزايد من قبل العلماء والباحثين في مجالات المعرفة البشرية كلها، وبالمعلومات وضرورة توفيرها للمستفيدين خاصة وأن الأساليب التقليدية أبدت عجزها عن ذلك•
إن لمشكلتي تضخم النتاج الفكري العالمي وتفجر المعلومات أسباب كثيرة يمكن تلخيص أهمها بالنقاط الآتية31)•
1 ـ الزيادة الهائلة في كمية المطبوعات والمنشورات المتنوعة•
2 ـ الصعوبة في الاختيار النوعي للمواد المطلوبة من هذا الكم الهائل•
3 ـ انهيار الحدود بين الموضوعات وتداخل التخصصيات العلمية•
4 ـ زيادة التخصص الدقيق•
ويمكن إضافة سبب خامس هو فشل الأساليب والوسائل التقليدية في الضبط والسيطرة والتنظيم للمعلومات ولأوعية المعلومات المتراكمة يوماً بعد يوم•
إن هذا الوضع وتلك الأزمة العلمية العالمية كانا إيذاناً بميلاد علم جديد، يضع الأسس العملية لحل هذه المشكلات مستعيناً بالدراسات العلمية والوسائل التكنولوجية وتراث وخبرات ومهارات المهنة المكتبية•
1 ـ 3 ـ الولادة
في أثناء الحرب العالمية الثانية شهد العالم حركة علمية شديدة التفاعل واستمرت إلى ما بعد الحرب، وقد رعت هذه الحركة العلمية وغذتها الدول المتحاربة التي سعت إلى استخدام العلم والعلماء لإدامة آلة الحرب وحماية منشآتها العسكرية وتقليل خسائرها، ولقد عاد هؤلاءالعلماء والباحثون بعد الحرب محملين بخبرات وتجارب ومهارات بحثية متنوعة، فأعيد توظيفهم في القطاعات المدنية لإعادة الحياة إلى المصانع والمؤسسات التي تعطلت بسبب الحرب• لقد كان من نتائج تلك الحرب العلمية فيض هائل من البحوث والدراسات والتقارير، مع ازدياد الطلب على المعلومات المتنوعة، وتغيير في أنماط ذلك الطلب، إذ الحاجة قائمة إلى المعلومات الدقيقة والسريعة والحديثة، بضغط من الدول المنافسة لاكتساب قصب السبق العلمي، واستثمار منجزاته لأغراض عسكرية وسياسية واقتصادية•
لقد استمر التزام الدول بدعم البحث العلمي والباحثين إلى ما بعد الحرب ولم يقتصر الدعم على التمويل فقط، بل اهتمت بالنشر الواسع للبحوث وتطبيق نتائجها في الواقع، وكان لكل ذلك دور حاسم في تعزيز البحث في مجالات علم المعلومات(41) ، وتزامن هذا الوضع مع تطورات علمية وتكنولوجية في مجالات الحواسيب والاتصالات والاتصالات عن بعد التي تمازجت معاً لتنتج تكنولوجيا المعلومات، ولتوجد أوعية معلومات جديدة غير تقليدية ولتحدث ثورة في عالم المكتبات، فمن تفاعل كل هذه العوامل وغيرها ظهر علم المعلومات وحدد مشكلته العلمية الأساسية في قضية ايصال المعرفة وتوصيلها بين قطبي إنتاجها والإفادة منها• وخلاصة القول: >فقد وجد علم المعلومات من خلال حركة العلوم••• ومن خلال حاجات التخصصات العلمية والتكنولوجية إلى المعلومات، ومن خلال التطورات الخاصة بمعالجة المعلومات آلياً <(51)•
1 ـ 4 ـ النمو والتطور
إن الجـوانب العملية لعلم المعلومات كانت الأسبق في الظهور من جوانبه النظرية التي وجدت في أواسط القـرن العشريـن، وكـلا الجـانبين النظـري والتطبيقي يكونان الهيكل العلمي الحقيقي لهذا العلم، وتمثل المكتبات ودور الوثائق ومراكـز المعـلومـات المتنوعة الميادين التطبيقية لعلم المعلومات• وقد كانت هذه المؤسسات ـ خاصة المكـتبات ـ تقدم خدماتها الثقافية إلى المستفيدين منذ فجر التاريخ، وهي مستمرة في عطـائها، غير أنها بعد التطور العلمي والتكنولوجي الذي شهده العالم، وتفجر المعلومات وازدياد الحاجة إليها وتطـور هذه الحاجـة وتنوعها، قد أصبحت عاجزة عن القيام بواجباتها تجاه المجـتمع كـما ينبغي•
ومنذ أواسط القرن التاسع عشر ظهرت حركة التوثيق (Documentation) التي كانت تهدف إلى تقديم تحليل مكثف لمحتويات أوعية المعلومات، وأكثر عمقاً مما كانت تقدمه الإجراءات المكتبية(61) وبعد استخدام الحواسيب في العمليات المكتبية أظهرت عمليات استرجاع المعلومات(71) أن هذه المحاولات المعلوماتية المتعددة هي مراحل تطورية لعلم المعلومات في جوانبه التطبيقية، إلا أنها ما كانت لتستمر وتتطور اعتماداً على كونها خبرات مهنية تستند إلى طريقة المحاولة والخـطأ، بل هي بـأمس الحاجة إلى مبادئ وقوانين علمية أساسية تستند إليها في تطبيقاتها الميدانية، وتعتمدها سنداً للتفسير والتخطيط والتطوير، ولقد وجدت مفاهيم علم المعلومات ونظـرياته لبناء هذه الأسس، وتطوير لمبادئ مهنة المكتبات وأهداف التوثيق، وتكاملاً معها واستحواذاً عليها في علم شامل تستظل بمظلته هذه التخصصات والخبرات المهنية بصورة موحدة وهكذا كان وتطور علم المعلومات واتخذ تسميات متعددة فهو (Information Science) في الدول الأنجلو أمريكـية، وهو المعلوماتية (Information) في دول الاتحاد السوفييتي السابق، وهو >علم المعلومـات والتـوثيق (Information Science and documention) في ألمانيا(81) وهي تسميات لعلـم واحد(91)•
إن المصطلح الموحد >علم المعلومات< كان قليلاً ما يظهر في الموسوعات والكتب والمجلات، قبل إطلاق القمر الصناعي الروسي سبوتنك (Sputink)(02) عام 7591، وأن ذلك لايعني عدم وجود علم للمعلومات قبل هذا التاريخ(12) ، ولكن كان اطلاق القمر الروسي اطلاق لعلم المعلومـات في الولايـات المتحـدة الأمريكـية وفي غيرها كـما يـقول هرنـر(22)•
إن علم المعلومات قبل أن تظهر تسميته هذه، كان له وجود حقيقي في النتاج الفكري وفي المؤتمرات العلمية وفي الجامعات والمؤسسات العلمية والمهنية• ففي عام 8491 عقدت الجمعية العلمية الملكية في لندن المؤتمر الدولي للمعلومات العلمية (Royal Society Scientific Information Conference) الذي كانت تغطي محاوره البحثية موضوعات علم المعلومات بصورة شاملة(32) وفي عام 0591 دخل علم المعلومات مقررات المكتبات في الجامعات الأمريكية تحت تسمية >التوثيق<، وفي عام 8591 عقدت اللجنة الملكية مؤتمراً دولياً آخر بعنوان المؤتمر السابق نفسه، قال عنه والش (H.Wellisch) إن هذا المؤتمر لو عقد الآن (عام 2791) لكان عنوانه: >المؤتمر الدولي لعلم المعلومات<(42) كان علم المعلومات يتطور باستمرار قبل أن يكتسب تعريفه الرسمي الموحد في مؤتمرين علميين عقدهما معهد جورجيا للتكنولوجيا (Georgia Institute Of Technology) في عامي 1691 و1962 وفي عام 6691 وجد أن النتاج الفكري في مجالات علم المعلومات قد تزايد بشكل يستدعي المراجعة السنوية لمفرداته، فصدر الاستعراض السنوي لعلم المعلومات والتكنولوجيا: (ARIST: Annual Review For Information Science and Technology) وقد حمل أول مجلداته عام 6691 استعراضاً لـ 7152 بحثاً(52) وفي عام 7691 تغير اسم المعهد الأمريكي للتوثيق (American documention Institute) الذي تأسس عام 7391 فأصبح >الجمعية الأمريكية لعلم المعلومات (ASIS: American Society for Information Science) وتزايدت اهتمامات الاتحاد الدولي للتوثيق (FID: International Federation for documentation) بالدراسات النظرية للمعلومات والأساليب الآلية في معالجتها، ثم أخذ المصطلح (علم المعلومات) ينتشر في أسماء المعاهد الدراسية والجمعيات والاتحادات الوطنية المتخصصة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرها، وكانت التجمعات المهنية في بريطانيا أسبق من المعاهد الأكاديمية إلى استعمال المصطلح، ففي عام 8591 تأسس معهد عـلماء المعـلومـات ليضـم العـامـلين بنظـم استرجاع المعـلومـات المتخصصة(62)•
وفي بداية السبعينيات كان البحث في مجالات علم المعلومات قد تطور بصورة دفعت تافكو سراسفك إلى إعداد مسح لعلم المعلومات في شكل كتاب متقن التحرير أعطى صورة للجوانب التي حظيت بالاهتمام خلال العقد المنصرم(72)•
إن مظاهر تطور علم المعلومات يمكن قياسها اعتماداً على مؤشرات إيجابية توفرت له منذ الثمانينيات وأهم هذه المؤشرات هي82)•
ـ باحثون في مجالات علم المعلومات•
ـ مدرسون يعملون في حقل المعلومات•
ـ مدرسون وبرامج دراسية جامعية•
ـ مؤسسات بحثية وأكاديمية مهتمة بعلم المعلومات•
ـ جمعيات مهنية•
ويعكس دليل إفلا (IFLA: International guide to library and information science education) الموقف العالمي لتدريس علم المعلومات، إذ يحصي 625 مدرسة وقسماً دراسياً في أنحاء العالم، وتحت تسميات متعددة (برامج مكتبات، توثيق، أرشيف، ببليوغرافيا•••إلخ) وإن أغلب هذه المدارس والأقسام تقدم برامجها في المستويات الجامعية المختلفة بمعدل برنامج واحد إلى ثلاثة برامج(92)•
إن مؤشر التدريس ـ كما يرى الباحث ـ هو أقوى المؤشرات الذي يدل على مدى تطور العلم وازدهاره، لأنه يجمع كل المؤشرات الأخرى ويحتويها، ويكون هذا المؤشر أقوى ما يكون عندما يرصد في الدول المتقدمة علمياً نظراً لاهتمام هذه الدول بالتقدم العلمي والتكنولوجي، بغض النظر عن الأسباب التي تقف وراء هذا الاهتمام• لذلك نجد أن في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها 711 كلية أو جامعة تمنح شهادة البكالوريوس في علم المعلومات تحديداً، و 45 كلية وجامعة تمنح شهادات عليا في عموم موضوعات علم المعلومات، وهذا ما أشارت إليه إحصاءات العام الدراسي 0991/1991(03) ولم تدخل في هذه الإحصاءات الكليات والجامعات التي تمنح شهادات متنوعة في تدريسات جزئية، في المهنة المكتبية مثلاً• أو في الوثائق، أو في غيرهما مما ينضوي تحت لواء علم المعلومات الشامل• وتعد الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر دول العالم اهتماماً بالمعلومات وعلم المعلومات وتكنولوجيا المعلومات، خصوصاً في عقد التسعينيات من أجل فرض هيمنتها على العالم، فقد بلغت مصروفات الشركات الأمريكية في مجال تكنولوجيا المعلومات (حواسيب وأجهزة اتصالات وبرامجيات وغيرها) ما مقداره 041 بليون دولار عام 2991 بينما كانت مصروفاتها في العام نفسه في المجالات الصناعية (مستلزمات، مكائن، نفط وغيرها) أقل من 021 بليون دولار• وقد كان هذا الوضع معكوساً في الثمانينيات إذ كانت المصروفات الصناعية 001 بليون دولار عام 2891، في حين صرفت في مجال المعلومات 04 بليون دولار في العام نفسه(13) إن العصر الذي نعيشه اليوم، عصر ما بعد الصناعة، عصر المعلومات التي أصبحت اليوم سلعة من أغلى السلع وتوظف في استثمارها كميات كبيرة من الأموال، وتسعى دول العالم المتقدمة والنامية إلى دخول عالمها وبناء مرتكزاتها الأساسية وخصوصاً منها التكنولوجية لأن الرهان ليس فقط على الناحية الاقتصادية ولكنه سياسياً واستراتيجياً، فمن يسيطر في التقنية العالية فإنه سيسيطر في أي مجال آخر<(23)•
نخلص من كل ما تقدم إلى أن المعلومات هي ـ وكما كانت في كل زمان ومكان ـ: حاجة أساسية من حاجات الإنسان المعاصر، وأن هذه الحاجة ظاهرة اجتماعية اكتسبت تلك الصفة من كونها سلوكاً عاماً وأساسياً لبني البشر، وأن هناك علماً قائماً بذاته يدرس هذه الظاهرة من وجوهها كلها، وأن علماء المعلومات يجتهدون في صياغات تعريفاته منذ ستينيات القرن الماضي•
2 ـ قضية تعريف علم المعلومات
تعاني علوم كثيرة من إشكالية وضع تعريف جامع مانع لها، متفق عليه ويتم اعتماده بصورة مستمرة، وذلك بسبب طبيعة العلم التطورية، إذ تتجدد وتتعدل اتجاهات البحث والدراسة على توالي الأزمان، وتتراكم المعلومات العلمية وتنمو في مسارات متشعبة وفق تطور المفاهيم وتكوين النظريات الجديدة، إذ تتسم النظريات العلمية بالتغيير على نحو دائم(33)، وكلما تنوعت دراسات الباحثين في مجـالات هذه العلوم واستدعت الحاجة إلى استيعاب الإبداعات الجديدة في الجهد العلمي وميادين التطبيق، كلما أعيد النظر في المسلمات القديمة والمفاهيم والنظريات والتعـريفات الثابتة في تلك العلوم وعدلت أو استبدلت بما يلائم الحالة العلمية الجديدة• وبهذا تواكب العلوم التقدم الإنساني المضطرد، في مجالاتها وفي المجـالات الأخـرى المؤثرة فيها والمتأثرة بها، فينمو ويـزداد نشـاطها العلمي•
إن قضية وضع تعريف لعلم المعلومات هي مشكلة مزمنة صاحبت هذا العلم منذ بداياته وما تزال حتى اليوم تحظى بنقاش كبير وجدل واسع، وتلك ظاهرة طيبة، تدل على حيوية هذا العلم وتجدده وتطوره المتنامي المستجيب للتقدم العلمي الذي تشهده ميادينه النظرية والتطبيقية والحقول العلمية الأخرى المرتبط بها علمياً أو عملياً >فالعلم لا يتحجر وإنما يتطور كل يوم بالنماذج الجديدة، ومن لايقبل هذا التطور فليس هو بعالم<(34) ويسعى علماء المعلومات في أنحاء العالم إلى وضع نظرية شاملة لعلم المعلومات وبناء قوانينه العلمية وإنجاز تعريفه الموحد•
فهو من العلوم الحديثة النشأة ولم يتجاوز عمره النصف قرن• وإن البحث في قضية تعريفه مسألة طبيعية، لن تعيق تطوره، فعلم كالاتصال مثلاً لم يتم الاتفاق على تعريف جامع له، وليس ذلك عيباً في علم الاتصال إذ إن مشكلة صياغة التعريفات مشكلة شائعة في كل العلوم(35) ولاسيما الحديثة منها على وجه الخصوص• لقد وضع الرواد الأوائل ومن جاء بعدهم تعريفات متعددة لعلم المعلومات، وأن اختلفت هذه التعريفات في صياغاتها اللغوية أو تفصيلاتها الجزئية، فإنها تتفق في معانيها الشاملة وفي أطرها العامة، وقد عبرت في مجملها عن قضية واحدة ولكن من وجهات نظر متعددة•
وبعد أن درس الباحث عدداً كبيراً من هذه التعريفات وعدداً آخر من دراسات وبحوث كتبت عنها، توصل إلى أن التعريف الذي صدر عن مؤتمري معهد جورجيا للتكنولوجيا، المعقودين عامي 1691 و 2691 كان أكمل وأشمل التعريفات، وأن باقي التعريفات وإن زادت عليه أونقصت عنه، فإنها تصدر منه وترد إليه، فضلاً عن كونه أول وأقدم هذه التعريفات وله قوة الإجماع العلمي لصدوره عن مؤتمر ترعاه مؤسسة علمية سعت من خلاله إلى وضع برامج دراسية لأخصائيي المعلومات، لذلك فقد تم اعتماده أساساً لمناقشة التعريفات الأخرى ومقارنتها به•
عرف مؤتمر معهد جورجيا علم المعلومات بأنه: >العلم الذي يدرس خواص المعلومات وسلوكها والعوامل التي تحكم تدفقها، ووسائل تجهيزها لتيسير الإفادة منها إلى أقصى حد ممكن، وتشمل أنشطة التجهيز، إنتاج المعلومات وبثها وتجميعها وتنظيمهاواختزانها واسترجاعها وتفسيرها واستخدامها والمجال مشتق من أو متصل بـ >الرياضيات، المنطق، اللغويات، علم النفس، تكنولوجيا الحاسوب الإلكتروني، بحوث العمليات، الفنون الجرافية [الطباعية]، الاتصالات،علم المكتبات، الإدارة• وبعض المجالات الأخرى<(63)•
إن هذا التعريف يحدد ثلاث مواصفات أساسية لعلم المعلومات هي:
2 ـ 1 • إنه يدرس ظاهرة >المعلومات< خواصا وسلوكاً وتدفقاً وتجهيزاً لغرض الإفادة•
2 ـ 2• له جانبان أحدهما علمي نظري، والآخر عملي تطبيقي•
2 ـ 3• له ارتباطات وتداخلات موضوعية أساسية مع حقول علمية متعددة•
ويلاحظ أن >علم المكتبات< يرد في التعريف عند آخر قائمة العلوم المتصلة بعلم المعلومات، وهو العلم الأكثر عطاء لهذا العلم الجديد، حيث قدم له الأدوات والأساليب المهنية الأساسية للعمل المعلوماتي•
وتكاد تجمع التعريفات الأخرى على ذكر المواصفات الثلاث المحددة لعلم المعلومات في صياغاتها تصريحاً أو تلميحاً، سنجد ذلك واضحاً في أهم هذه التعريفات التي صاغها أبرز علماء المعلومات في العالم، ففي عام 3691 نشر تايلور (R.S. Taylor) تعريفه الذي نص على أن >علم المعلومات< يدرس خواص المعرفة وكيانها وبثها، ويطور وسائل تنظيمها بغرض الإفادة منها، وبناء على ذلك فإن لعلم المعلومات جانبين، أحدهما نظري (Theortical) والآخر عملي (Operational)، ففي الجانب النظري يدرس نظم المعلومات المتنوعة، والإنسان كعنصر في عملية الاتصال ويدرس تفاعل العوامل المؤثرة في ذلك، وفي هذا الجانب فإنه يتقاطع مع علوم متعددة كالرياضيات والمنطق، وعلم النفس وعلم وظائف الأعصاب (Neurophysiology) وعلم اللغة•
أما في الجـانب العملي فالاهتمام يكـون بتطوير النظـم البشريـة/الآلـية، لتوفـير أفضـل الأوضـاع للإفادة من المعرفة المتخصصة، وفي هذا الجانب فإنه يتقاطع مع التكنولوجيا في مجال الهنـدسة الكهربائية والحـواسيب ومع عـلم الإدارة والمهنـة المكـتبية وبحـوث العمليات(73)•
إن هذا التعريف وإن احتوى أساسيات تعريف معهد جورجيا فقد كان أكثر عمومية، إذ أشار تايلور في تعريفه إلى مجموعة من علوم المعلومات وليس علماً واحداً• ويكرر تايلور عام 7691 مضمون تعريفه هذا في حديث له أمام الجمعية الأمريكية لعلم المعلومات(83)•
وفي عام 8691 قدم بوركو (H.Borko) تعريفه الشهير لعلم المعلومات موضحاً بأنه علم متداخل التخصص (Interdisciplinary) يبحث في خواص المعلومات وسلوكها، والقوى التي تحكم تدفقها والإفادة منها، والأساليب اليدوية والممكنة في معالجتها وخزنها واسترجاعها وبثها(93)، وقد جاء هذا التعريف بخلاصة تعريف مؤتمري معهد جورجيا، وأن استخدامه عبارة >الأساليب اليدوية والممكنة في معالجة المعلومات وخزنها واسترجاعها وبثها<، فيها إشارة إلى الجانب التطبيقي من علم المعلومات المستند إلى الأساليب المكتبية التقليدية التي تطورت باستخدام تكنولوجيا المعلومات في المكتبات•
وعند بداية السبعينيات وصل عدد تعريفات علم المعلومات تسعة وثلاثين تعريفاً، استعرضها والش في دراسة نشرت عام 2791 وحلل مصطلحاتها وتطوراتها تاريخياً وفق طريقة تحليل المضمون (Content analysis) مشيراً إلى أن علم المعلومات بدأ بتسمية (Library economy) وهي مدرسة ديوي للمكتبات التي أسسها عام 7881، وانتهى بتسمية (Informatics) مروراً بتسميات >التوثيق< و >استرجاع المعلومات< و >خزن واسترجاع المعلومات<(04)•
إن هـذه التسميات تمثل المسيرة التطورية لعلم المعلومات الذي بدأ من المكتبات وانتهى عـلماً شـامـلاً مسـتقلاً•
وفي مؤتمر لعلم المعلومات عقده المعهد الدولي للتوثيق (FID) في موسكو عام 4791 قدم بروكس تعريفاً لعلم المعلومات، ينصب اهتمامه في تحديد الجانب التطبيقي لعلم المعلومات الذي يركز على السيطرة الشاملة للمعلومات العلمية والفنية الموثقة (documentary) فيختارها ويجمعها ويستخلصها ويكشفها وينظمها بوساطة الحاسوب أو غيره، وبطرق وأساليب متنوعة تسهل استرجاعها والإفادة منها لأنواع المستفيدين، وإننا مهتمون مهنياً بتحديد العلاقة القائمة بين >المعلومات< و>المعرفة<•(14)•
إن هذا التعريف هو من أفضل التعريفات التي توضح العلاقة القائمة بين علم المعلومات وأساسيات المهنة المكتبية، وقد طرح بروكس في هذا المؤتمر شرحاً رياضياً للتغيير الهيكلي في كيان المعرفة الذي يحدثه تراكم المعلومات العلمية، ساعياً إلى تحديد العلاقة بين المعلومات والمعرفة لكونها ضرباً من الدراسات النظرية في علم المعلومات• وفي عام 7791 يطرح بوركو وزميلاه سامويلسيون (k.Samuelsion) وآمي (B.X. Amey) تعريفاً يتضمن أساسيات تعريف معهد جورجيا(24) وهو تكرار لمضمون تعريفه الذي نشره عام 8691، وفي ختام السبعينيات، يستعرض تافكو سراسفك مجموعة من هذه التعريفات مؤكداً على أهمية دراسة هذه القضية، ويرى أن التعريف يمكن أن يتم بطريقتين هما: إما من خلال قواميس نوعية تعطي الخطوط العريضة للحدود الموضوعية للعلم، وإما من خلال مناقشة المشكلات التي يواجهها الحقل العلمي، مستشهداً بالقول: >إن العلم يعرف من خلال مشكلاته<، ولا نخرج من دراسة سراسفك هذه بتعريف جديد، بل يكتفي بإيضاح المشكلات العلمية لهذا العلم ويحددها بمشكلة الاتصال المعرفي ومشكلة النتاج الفكري ومشكلة نظم المعلومات (المكتبات وغيرها)(34)•
وفي أواسط الثمانينيات ينشر وليامز(44) تعريفاً يذكر فيه: >أن علم المعلومات يبحث في طبيعة المعلومات والتفاعل الإنساني معها، وعمليات الاتصال، وهو بوصفه تخصصاً متطوراً فإنه يستخدم أدوات وأساليب أو تكنولوجيات عدد من التخصصات العلمية وأن موضوعه الأساس هو >المعلومات< ومشكلته العلمية هي >الاتصال الإنساني<•
إن هذا التعريف يحمل روح تعريف معهد جورجيا، إذ نص على أن >المعلومات هي موضوع الدراسة<، وأن للعلم جانبين نظري وتطبيقي، وأن تخصصات علمية متنوعة ترفد علم المعلومات بأدوات وأساليب وتكنولوجيا، وما قيل عن هذا التعريف يقال عن تعريف آخر صدر في الفترة نفسها، إذ نشر هيس (R. Hayes) (54) ما نصه: >إن علم المعلومات هو دراسة لعمليات إنتاج المعلومات التي تتم في أي نظام للمعلومات<، وأن هذه النظم يمكن أن تشمل:
ـ الحاسوب بوصفه نظام معلومات في حد ذاته•
ـ نظم المعلومات المبنية على الحاسوب•
ـ المكتبات ومراكز المعلومات بوصفها نظم معلومات•
ـ النظم الاجتماعية والنظم البيولوجية•
لقد أضاف هذا التعريف قضية جديدة لم تتطرق إليها التعريفات الأخرى وهي قضية المعلومات في النظم البيولوجية، قاصداً بذلك الإشارة إلى تناقل المعلومات داخل جسم الكائن الحي بوساطة الأعصاب، أو تناقلها عبر أجيال الكائنات الحية بوساطة الجينات الوراثية التي يعدها المتخصصون في علوم الأحياء أو التاريخ الطبيعي، أقدم ناقل للمعلومات(64)•
واستمراراً للتعريفات السابقة نجد في عام 9891 تعريفاً يوضح بأن: >علم المعلومات يسعى إلى وضع المبادئ التي تحكم السلوك الإنساني في التعامل مع المعلومات، وذلك بهدف استخدام تلك المبادئ في تصميم نظم وخدمات معلومات فعالة<(74)•
وحتى التسعينيات تستمر مناقشة قضية تعريف علم المعلومات لأهميتها في تحديد موضوعات المجال وبناء برامجه الدراسية وتنتهي دراسة نشرت عام 2991 إلى أن هنالك اتفاقاً عاماً على أن علم المعلومات هو تخصص متداخل تتنازعه تخصصات علمية عديدة، ولابد من معرفة الحدود الفاصلة بينها وبين علم المعلومات(84)•
نخلص من ذلك كله إلى إشكالية إنجاز تعريف لعلم المعلومات فتتحكم فيها أربعة عوامل وتمثل أسبابها الرئيسة في الوقت نفسه وهي:
2 ـ 1ـ حداثة علم المعلومات
إن علم المعلومات لم يكمل عقده الخامس بعد، وإن علوماً كثيرة أسبق منه لم ينجز تعريفها الجامع حتى الآن، مثل علم النفس الذي مايزال متخصصوه يتجادلون في قضية تعريفه الموحد المتفق عليه• ويعزون أسباب ذلك إلى أن علمهم لم يزل يافعاً مع أنهم احتفلوا عام 0891 بالعيد المئة لنشوئه(94)•
إن وجـود تعريف متفق عليه من الجميع ليـس شرطاً لقيام علم معين، فالعـلم يـوجد ويتبلور موضـوع دراسـته ويتطـور بوجود تعريفه الجامع أو بغير وجوده• وإن تعريفاً جامعاً متفق عليه في فتـرة معينة، سوف يصبح غير ذلك في فتـرة لاحقـة بسبب طبيعـة العـلم التطورية وحركته الدائبة نحو التغيير واستكـشاف الظـواهر الجديـدة وبـناء النظريـات الحديثة•
2 ـ 2 ـ طبيعة موضوع الدراسة
إن ظاهرة >المعلومات< هي الموضوع الأساس لعلم المعلومات، وهذا المصطلح ذو طبيعة دلالية متغيرة وشديدة التنوع في معانيها، نسبة إلى مواقع استخدامها وخلفيات مستخدمها، فمهندسو الاتصالات يهتمون بالمعلومات لأنها تمثل >الرسالة< في عملية الاتصال، وعلماء النفس أيضاً لأنها مظهر التفكر والإدراك، وعلماء الحواسيب وعلماء اللغة، وعلماء الرياضيات والمكتبيون والموثقون وغيرهم• كل ينظر إليها من وجهة نظر التخصص الذي ينتمي إليه، غير أن علم المعلومات يحتوي هذه الظاهرة وينفرد بدراستها من جوانبها المتنوعة كلها لكونها موضوعه الأساس، مستفيداً من نتائج بحوث ودراسات تلك التخصصات المختلفة ويوظفها لخدمة أهدافه العلمية والعملية•
2 ـ 3 ـ التداخل الموضوعي
يتصل علم المعلومات بعلوم متعددة ويستعير منها أدواتها وأساليبها ويستخدمها في جانبيه العلمي والعملي، فهو يستفيد من الأساليب الرياضية والإحصائية ومن علم المنطق واللغويات وغيرها في إنجاز دراساته النظرية الأساس، وفي جوانبه العملية فهو يستفيد من أنواع التكنولوجيات في مجالات الحواسيب والاتصالات والاتصالات عن بعد وغيرها• فضلاً عن استفادته الكبيرة من الأساليب المكتبية في الإجراءات والخدمات وخاصة بعد تطويرها بإدخال التكنولوجيا الحديثة إليها، ولقد استفاد علم المعلومات في إثراء جوانبه النظرية أيضاً من فلسفة ومبادئ الخدمة المكتبية، التي تطورت بتأثيره إلى الاهتمام >بالمعلومات< بصورة شاملة بدلاً من التحدد بأوعيتها فقط• ومن أجل ذلك فإن تداخلات موضوعية قد حصلت بين موضوعات هذه العلوم والتخصصات من ناحية وموضوعات علم المعلومات من ناحية أخرى، لتقاطعهما في نقاط مشتركة•
2 ـ 4 ـ تنوع خلفيات المتخصصين
استقطب علم المعلومات ـ لكونه علم حديث ـ علماء وباحثين من تخصصات علمية متنوعة، والأمثلة كثيرة في الرواد الأوائل وفي أغلب علماء المعلومات في العالم، وأن هؤلاء قد استندوا في بحوثهم ودراساتهم في المجال، إلى الكثير من مفاهيم تخصصاتهم السابقة ومصطلحاتها وأساليبها البحثية، ويعتقد حشمت قاسم بأن ذلك قد أرهق المجال >بكثير من المصطلحات والمفاهيم المستعارة من مجالات شتى، والمنبثقة عن خلفيات متباينة<(05)، وفي هذا القول جانب من الصواب كبير، إلا أن هذه الحالة زودت علم المعلومات بروافد علمية متنوعة، لم يمض وقت طويل حتى تفاعلت مع أساسيات علم المعلومات وفلسفته ونظرياته واندمجت في سياقه الشامل، وأطلت في بعض الأحيان من خلال تعريفات علم المعلومات لاتصنع العلوم بل العكس هو الصحيح، ونخرج من تلك المناقشات السابقة إلى أن تعريف مؤتمري معهد جورجيا هو التعريف الموحد لعلم المعلومات، مالم يظهر مستقبلاً في أحد المجالين النظري أو العملي لعلم المعلومات ما يستدعي إعادة النظر في بعض فقراته وتحديداته•
المصدر : المجلة العربية للمعلومات .ع3 ، 2001 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق